ندوة خليجية نضمها مجلس الشورى تناقش دور المجالس التشريعية في تعزيز الهوية الخليجية

07 مايو 2024




عقد مجلس الشورى، بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، اليوم، ندوة نقاشية تحت عنوان "التنوع الثقافي وتحديات التغيير: دور المجالس التشريعية في الحفاظ على الهوية الخليجية"، بمشاركة نخبة من الخبراء والمشرعين، وحضور عدد من كبار المسؤولين والمتخصصين.

 ركزت الندوة التي افتتحها سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم رئيس مجلس الشورى، على الدور الحيوي الذي تلعبه المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الثقافية والوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التحديات والمتغيرات العالمية.

وأكد المتحدثون خلال الندوة التي أدارها السيد غانم سعد الحميدي خبير مناهج بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، على أهمية الهوية الخليجية، مستعرضين التاريخ العريق والروابط العميقة بين دول مجلس التعاون، والتي تشمل الدين واللغة والتراث المشترك، ودور المجالس التشريعية في دعم تلك الهوية.

وفي الجلسة الأولى للندوة التي تمحورت حول " تحديات التغيير واستجابة المجتمع الخليجي للتغيير "، تناول السيد فهد علي البوعينين، والسيدة هند إبراهيم السليطي مساعدا باحث بمعهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية بجامعة قطر، التحديات التي تواجه المجتمع الخليجي في استجابته للتغييرات السريعة، حيث أكد المتحدثان على أهمية التكيف مع التغييرات مع المحافظة على القيم الأساسية للمجتمع.

وفي هذا الجانب، أشار فهد البوعينين في الورقة البحثية التي قدمها، إلى أن الهوية الوطنية تتمتع بمكانة أساسية بالمقارنة بالانتماء القبلي، مبينًا أن هناك زيادة في الشعور بالانتماء الوطني على حساب الانتماء القبلي، خاصة بين الفئات العمرية الأكبر.

تبرز النتائج التي توصل إليها البوعينين، أن الانتماء الوطني يبرز بشكل أكبر بين الأفراد الذين لديهم مستويات تعليمية عالية والذين يشاركون بفعالية في الحياة السياسية المحلية، وأن الاهتمام بالسياسة يُعد مؤشراً على قوة الهوية الوطنية.

الدراسة أوصت بوضع برامج توعوية مخصصة لكل فئة عمرية لتعزيز الوعي السياسي والوطني، وأكدت على ضرورة إشراك الشباب في تصميم وتنفيذ هذه البرامج لضمان فعاليتها. وشددت الورقة أيضاً على أهمية الهوية الوطنية كعنصر مركزي في بناء المجتمع والدولة، وتعزيز الحوار بين الأجيال المختلفة للحفاظ على التماسك الاجتماعي.
وفي إطار المحور ذاته خلال الجلسة الأولى، تحدثت السيدة هند السليطي، عن مكونات ومصادر الهوية، مبينة أنها تتضمن أربعة مكونات رئيسية تسهم في تشكيل الهوية الوطنية في دول الخليج وهي، اللغة والدين والثقافة المحلية (بما في ذلك الزي والعادات)، والتاريخ الوطني.

وأشارت ورقة السليطي، إلى أن الثقافة، التي تشمل الأفكار والمعايير والممارسات المشتركة بين الأشخاص في نفس المنطقة الجغرافية، تعتبر حاسمة لتشكيل الهوية الوطنية.

وفي جانب آخر، تناولت السليطي تحديات الهوية الثقافية الخليجية، التي تواجه، على حد قولها، عدة تحديات تتضمن تأثير العلاقات الخارجية، والمتطلبات الاقتصادية التي تؤثر على تكوين السكان، وتأثيرات العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن  كل دولة خليجية تواجه مهمة صعبة للحفاظ على هويتها الثقافية مع التفاعل العالمي وعصر الاتصالات الرقمية.

وفيما يتعلق بالهوية الثقافية والشؤون الخارجية، أشارت الورقة، إلى أن الشؤون الخارجية والأدوار العالمية لدول الخليج تشكل جزءًا كبيرًا من هويتها الوطنية والثقافية، مبينة أن سعي تلك الدولة إلى أن تكون وجهات سياحية عالمية ومستضيفة لفعاليات دولية مثل كأس العالم والمعارض الدولية تسهم في تعزيز هذا البعد. 

وبينت أن الاهتمامات الخارجية المختلفة لدول الخليج تعمل على تعقيد جهود توحيد هويتها الثقافية، في حين أنها توفر فرصًا لكل دولة لتعزيز ارتباطاتها الثقافية والاستفادة من سماتها الفريدة.

ولمواجهة التحديات التي تواجه الهوية الثقافية الخليجية، قدمت الورقة التي استعرضتها هند السليطي، عددًا من التوصيات الاجتماعية والتشريعية، شملت احتضان التعددية الثقافية، ودعم المبادرات الثقافية، وإنشاء موسوعات تاريخية لكل دولة.

 وفي الجلسة الثانية، التي عقدت تحت عنوان "مكونات وخصائص الهوية الخليجية المشتركة"، تطرق سعادة السيد خالد بن غانم العلي، وسعادة السيد خالد بن أحمد العبيدان، عضوا مجلس الشورى، إلى كيفية مواجهة دول الخليج للتحديات الديموغرافية والثقافية الناتجة عن العولمة والهجرات المتنوعة، مع التأكيد على الحفاظ على الخصائص الأساسية للهوية الخليجية، حيث قدم المتحدثان نظرتهما حول الثقافة والتراث كعناصر رئيسية في تعزيز الهوية الخليجية.

وضمن هذا المحور، تناول سعادة السيد خالد بن غانم العلي خلال الجلسة، مكونات وخصائص الهوية الخليجية، متطرقًا إلى تأثير الحداثة الغربية والتنشئة الاجتماعية على بناء الهوية الوطنية.

وأوضح سعادة العضو العلي، أن الحداثة الغربية تفصل بين العقل والأخلاق، وأن التنشئة الاجتماعية غالبًا ما تفشل في نقل القيم بين الأجيال. وأكد على ضرورة إعادة النظر في منظومة التنشئة الاجتماعية وبنيتها لضمان نقل القيم الأساسية التي تشكل الهوية، مشددًا على أهمية التراث والدين واللغة كركائز أساسية في هذا البناء.

ودعا سعادته إلى تبني تنشئة اجتماعية تؤكد على الأبعاد القيمية جنبًا إلى جنب مع الأبعاد المعرفية، مشددًا على أهمية بناء هوية وطنية ترتكز على قيم الاحترام والإنسانية، وتساهم في تحقيق مجتمع قوي ومتماسك، يحافظ على هويته وينفتح على المشتركات الإنسانية.

وحول تعريف الهوية الذي يشمل مجموعة سمات، أشار العلي إلى أن الهوية ليست ثابتة بل ديناميكية، تتفاعل وتتطور من خلال الحوار والأخذ والعطاء. كما ناقش التأثير العميق للتاريخ والتراث في تشكيل الوعي الذاتي والجماعي، مؤكدًا على ضرورة الوعي بالمصادر التاريخية والنقد الذاتي في تشكيل سردياتنا الخاصة.


وخلال الجلسة ذاتها، أشار سعادة العضو خالد العبيدان، للجهود المتواصلة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الهوية الوطنية وتقوية الانتماء الوطني، كما تناولت ورقة العبيدان، أهمية الروابط التاريخية والثقافية بين دول المجلس في تشكيل وحفظ الهوية الخليجية المشتركة.

كما أكد سعادته، على الأهمية المحورية للدين الإسلامي كعنصر أساسي في تشكيل الهوية الخليجية، من حيث تعزيز الولاء والانتماء وتقويم سلوك الفرد والحفاظ على النظام الاجتماعي والأخلاقي، إلى جانب دور اللغة في تحديد الهوية الثقافية والحفاظ على الأصالة والتاريخ.

وأبرزت الورقة التي قدمها سعادة العضو العبيدان، العناصر الأساسية للهوية الخليجية والتي تشمل الروابط الدينية والثقافية، ووحدة اللغة، والتمازج الأسري. وأكد سعادته على دور الدين الإسلامي كأساس للتشريع والحياة اليومية، مما يعزز قيم الولاء والانتماء، بالإضافة إلى اللغة العربية التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الشخصية الثقافية والوطنية الخليجية.

وقد أبرزت الورقة التي قدمها العبيدان، التحديات التي تواجه الهوية الخليجية في ظل العولمة والانفتاح الثقافي، حيث أوصى بتطوير استراتيجيات لتأكيد القيم والهوية الوطنية وحمايتها من التأثيرات الخارجية، خاصة في البيئة الرقمية والتغيرات الديموغرافية.

ودعا سعادة العبيدان، إلى زيادة التعاون بين دول المجلس لتعزيز الهوية الخليجية والحفاظ على التماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات العالمية.

وضمن حديثه، أشار العبيدان إلى الدور الحاسم للمجالس التشريعية الخليجية في دعم هذه الجهود من خلال التشريعات والبرامج الوطنية التي تضمن ديمومة القيم الأخلاقية والثقافية الخليجية، وهو ما تم تسليط الضوء عليه في المحور الثالث للندوة.

وفي المحور الثالث من الندوة، الذي تطرق إلى "دور المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الخليجية"، تحدث كل من السيدة مريم حمد أبو شريدة عضو هئية تدريس في كلية القانون بجامعة قطر، والسيد أحمد سلطان الغانم مدير إدارة شؤون الجلسات بمجلس الشورى، عن دور المجالس التشريعية في دعم الهوية الخليجية، من خلال تشريعات متجددة تواكب التطورات الراهنة. 

وضمن هذا المحور، قدمت السيدة مريم أبو شريدة ورقة، تناولت دور المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الخليجية، مستلهمة من خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر من العام الماضي، والذي أكد على أهمية الوحدة العربية الإسلامية والتعاون بين دول الخليج. 

وبينت السيدة مريم أبو شريدة، أن الوحدة الخليجية، التي تتجلى في الدين واللغة والثقافة المشتركة، تعزز الأمن القومي والوطني للخليج. كما أشارت إلى أهمية دور المجالس التشريعية في دعم هذه الوحدة من خلال تطوير التشريعات القائمة أو وضع قوانين جديدة تتناسب مع التطورات الحديثة وتحقيق الأهداف المشتركة.
من جانبه، قدم السيد أحمد الغانم ورقة، تناولت دور المجالس التشريعية في الحفاظ على الهوية الخليجية، حيث أكد الغانم على أهمية فهم وتمييز محددات الهوية الخليجية والتحديات التي تواجهها في عصر العولمة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية.

 وشددت الورقة التي قدمها الغانم، على أهمية الهوية التي تعكس التاريخ والدين والثقافة المشتركة بين دول الخليج، مبينًا كيفية إسهام تلك الهوية في تشكيل هوية الأفراد والمجتمعات.

وناقش السيد أحمد الغانم، دور المجالس التشريعية في تعزيز الهوية الخليجية، من خلال تطوير القوانين واللوائح، وضمان الرقابة على أداء الحكومات، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى دعم الثقافة والتراث.

وأشار الغانم خلال الجلسة، إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الهوية الخليجية، كالعولمة والتكنولوجيا، حيث أكد على ضرورة التكيف مع التغيرات دون فقدان الهوية الأصلية، مستعرضًا أهم المناقشات التي تناولتها المجالس التشريعية حول هذا الموضوع.

من جانب آخر، قدم كل من سعادة السيد عبدالله بن حمد الحارثي رئيس لجنة الإعلام والسياحة والثقافة بمجلس الشورى العُماني، وسعادة السيدة منى خليفة حماد المري عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، و سعادة الدكتور عاصم بن محمد المدخلي عضو مجلس الشورى السعودي، وسعادة السيد عبدالرحمن محمد جمشير عضو مجلس الشورى البحريني ، تجارب دولهم في سبيل الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها، مستعرضين أهم النماذج في هذا السياق، كما أبرزوا دور مجالسهم في لتحقيق تلك الأهداف.

وخلال الجلسة النقاشية التي عقدت في ختام الندوة، تحدث المشاركون عن قضية العولمة وتأثيرها على الهوية الثقافية الخليجية، حيث دار حوار تفاعلي بين المشاركين، تناولوا خلاله عدة قضايا رئيسية منها، الضغوط الديمغرافية الكبيرة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، والتي تدفع بالضرورة إلى إعادة التفكير في كيفية الحفاظ على الهوية والثقافة الخليجية.

كما تطرقوا للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أنها لعبت دورًا كبيرًا في هذا التحول، حيث تساءل المشاركون عن الكيفية التي يمكن من خلالها استخدام هذه الأدوات لتعزيز قيمنا الدينية والثقافية، بدلاً من السماح لها بتقويضها.

كما شدد المتحدثون خلال الجلسة النقاشية، على أن الحل يكمن في التركيز على تعزيز القيم المشتركة والعمل على تقوية العلاقات الثقافية بين دول الخليج، والتي ستكون حصنًا ضد التأثيرات السلبية للعولمة.
ولفت المشاركون إلى أهمية جهود كل فرد في المجتمع الخليجي لضمان استمرارية تماسك الهوية الخليجية، وهو ما يتم عبر الانخراط في المجتمع والمشاركة الفعالة في بناء وحماية الهوية الخليجية. كما ركزوا على دور العملية التعلمية كأساس يمكّن الشباب من فهم وتقدير قيمهم الثقافية والدينية في ظل التحديات العالمية.
وفي ختام الندوة، تم تقديم مجموعة من التوصيات العملية بهدف لتعزيز الوحدة والهوية الخليجية. من بين تلك التوصيات: إنشاء لجنة دائمة تابعة للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي تُعنى بالحفاظ على الهوية الخليجية، بالإضافة إلى استمرار دور المجالس التشريعية في اقتراح التشريعات الداعمة للحفاظ على هذه الهوية.

كما أكدت التوصيات على أهمية التنشئة الأسرية، وضرورة تحديث القوانين القائمة وصياغة تشريعات جديدة تسهم في الحفاظ على الهوية في المستقبل. كما أكدت التوصيات على أهمية تشجيع التبادل الثقافي والتعليمي بين دول الخليج، وتطوير المناهج الدراسية وإشراك الشباب في صنع القرارات التي تؤثر على الهوية واستخدام التكنولوجيا لصونها، بما في ذلك تطوير منصات التواصل الاجتماعي وإنشاء محتوى رقمي يدعم الهوية الخليجية.